الرجل الذي الماء
قصة قصيرة
السؤال المباغت يشبه مقص صدئ سيء النية وعاجز عن قص، أو كلكمة تأتي من كسيح، آخر من تتوقع أن يستخدم أطرافه العاجزة في غير فائدة.
لقد باغتني بسؤاله لماذا لم تأتِ إلى العمل بالأمس؟ لم أجد مناصًا من الكذب، أسرع كذبة في رأسي هي المرض، استهلكتها كثيرًا، إذن سأكون صادقًا -هكذا فكرت.
قلت له وأنا ملتفت إليه وأنظر إلى الحدود الفاصلة التي يرسمها ثوبه الأبيض على الجدار الأبيض:
- لقد نمت يا صديقي.
أجاب وهو ينظر إلى الشاشة وتحرك يمينه الفأرة:
- حتى لو نمت يُفضل أن تأتي ولو متأخرًا، لقد ظننت أن المطر هو السبب.
كانت لكمة مزدوجة، أو مقصان صدان يتعاقبان على ورقة دون فائدة، لا أتذكر كيف أنهيت الحوار، وربما أقامت إجابته النهاية لأبدأ في التفكير، لماذا لم أحضر؟ هل هو المطر؟ قد جرني إلى الهاوية التي في رأسي، ثقب كبير في دماغي، والكثير من المرارة، نعم أنا أخشى المطر، إنني رجل الورق، أنظر إلى أصابعي كيف تنكمش سريعًا بعد الاستحمام، كيف تتقارب الخطوط في يدي حتى تصير خطًا واحدًا كقطرات الماء التي تصبح قطرة فيها، رصاصة عملاقة بليدة تزحف على جسدي بالموت والبلل.
ولدت وعلى جلدي طبقة من البلاستيك المقاوم للماء، كان ينزلق علي كطفل على "زلحيقة" بمرح ودون أن يترك أثرًا سوى خطوط يسيرة متفرقة، كلما كبرت قسَت تلك الطبقة وتشققت وتقشرت لتنمو بعدها طبقة بلاستيكية أقل مقاومة للماء، ففي كل شتاء يتقشر جلدي، كفاي تصيران برتقالة مقشرة، ووجهي الذي يصبح كحليب جف على الرخام؛ لتنموَ طبقة أضعف. نفدت الطبقات المقاومة وأمسيت ورقًا كرتونيًا يقاوم بعض الماء فلا ينفد من خلاله ولكنه يترك أثرًا، ينكمش ويفقد لونه ليخطو إلى البياض، تنسل ألوانه.
منذ زمن لم أعد أتعرق، جسدي توقف عن نضح الماء، تتسرب منه رائحة كمستودع الورق، مزيج من رائحة الورق والغبار، كل يوم تتعتق رائحة عرقي، وتزداد تعاريج جسدي وانثناءاته التي لم يصل إليها الماء عمقًا واسودادًا، وقدماي يزحفان إلى اللون السكري، تقلبات الألوان التي لم يلحظها أحد كفيلة بأن تجعلني أنفر من الاستحمام، أدخل إلى الحمام وأفتح الدش ليصدح صوت الماء، بينما أنفض جسدي بالمنشفة فأرى عاصفة ترابية حولي، وبعدها أغسل المكان، وأنا أموت رعبًا من الدش الذي يدلق بلا شعور دماغه الذي لا يفنى، يخرج الماء مسعورًا ليعوي عند اصطدامه بالقاع البانيو، ثم يعوي بخوف وهو يواجه مصير المحتوم إلى المجاري التي لا تقل خطرًا من الدش اللامبالي، هذه أشق ساعة علي، لا أريد أن أرى سحب الرطوبة تسير ببط وثقل كحلزون لزج كقنبلة عملاقة تحبو وهي تتحول إلى دش معلق في الهواء!